للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأيتُ أمير المؤمنين محمداً ... وفي وجههِ بِذْرُ المحبَّةِ يثمرُ

فقال له مؤمن بن سعيد: قبحاً لما ارتكبته، جعلت وجه الخليفة محراثاً تثمر فيه البذور؟ فغشيه الخجل، وجعل جوابه عن هذا النقد الصائب سباباً.

ووقع في مثل هذه الزلّة كثير من كبار الشعراء، فهذا أبو تمام يقول في مدح أحد الأبطال:

ضاحي المحيا للهجير وللقنا ... تحت العجاج تخاله محراثا

فجعل ممدوحه محراثاً، كما جعله هاذياً حين قال:

لا زال يهذي بالمكارم والعُلا ... حتى ظننّا أنه محمومُ

وهذا بشار بن برد يقول:

وجذّتْ رقابَ الوصل أسيافُ هجرِها ... وقَدَّتْ لِرِجْلِ البين نعلين من خدي

فإثبات الرقاب للوصل، والرجل للبين من التخيلات المستهجنة.

قد يخطر لسائل أن يقول: إن لهؤلاء الشعراء براعة مسلمة، وأذواقاً لا نرتاب في صحتها وصفائها، وقد مرت هذه المعاني التي رميتموها بسبة السخافة على أذواقهم، فألقت إليها بالتسليم، أفلا يكون رضاهم عنها، واستحسانهم لها شاهداً ببراءتها مما تصفونها به من سماجة الوضع، ومنافرة الذوق؟

والجواب: أن القبح في هذه المعاني وما كان على شاكلتها محقق بما يجده الإنسان في نفسه من أثر النكرة لها، وعدم الأنس لسماعها، فضلاً عن شهادة فريق لا تقصر بهم سلامة الذوق والمعرفة بحرفة الأدب عن طبقة أولئك الشعراء. وهذا ابن رشيق يقول عقب إيراد البيت الأول من بيتي أبي تمام: