للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثبتوا للطعن في وجوههم إلى أن وقعوا في مضاجعهم، أو لم ينلهم السلاح بعد أن ولّوا مدبرين، لم يكن لك أن تفضل عليه بيت ابن نباتة من جهة التخييل، وإن أشار إلى معنى يعود إلى مدح قومه بالشجاعة والمهارة في الطعن والضرب.

ومن قبيل هذا الضرب: قول عبد الرحمن الفنداقي في وصف حال الندى، وتقاطره من زهر النرجس:

والندى يقطرُ من نرجسه ... كدموعٍ أسكبتهن الجفون

وقول ابن زيدون في مثله:

نلهو بما يستميلُ العينَ من زَهَرٍ ... جالَ الندى فيهِ حتى مالَ أعناقا

كأن أعيُنَه إذ عاينتْ أرقي ... بكت لما بي فجالَ الدمعُ رقراقا

ومما يفضل به هذان البيتان على بيت الفنداقي: إيماؤهما إلى سبب إرسال الأزهار للمدامع، وهو معاينتها لأرق الشاعر، وإشفاقها عليه.

الحالة الثالثة: وهي ما يقصد الشاعران فيه إلى غرض واحد، ويختلفان في المعنى الذي يصورانه فيه، ومثال هذا: أن يكون الغرض وصف شخص بالندى، فيقع الاختلاف في الطريق الذي يقرر به هذا الوصف؛ كما قال بعضهم:

سألتُ الندى هلْ أنتَ حرٌّ؟ فقال: لا ... ولكنَّني عبدٌ ليحيى بنِ خالدِ

فقلتُ: شراءً؟ قال: لا بل وراثةً ... توارثني عن والد بعد والد

وقال الآخر:

ولما رأيت البحرَ في الجود آية ... ومن جوده الدرُّ الثمين المقلدُ

سألته من في الناس علَّمك الندى ... فقال أمير المؤمنين محمَّد