وقد يكون مناط التخييل أمراً واحداً، ويختلف نظر الشاعرين بتوجه أحدهما إلى حال أو صفة قد أخذ نظر الآخر بغيرها، فيصير التخييل بهذا من قبيل التخييل في أمرين مختلفين في خفاء التفاضل بينهما، وهذا كما قال الوزير أبو فارس يصف النهر من جهة منظره:
فنضنضَ ما بين الغروس كأنه ... وقد رقرقت حصباؤه حيةٌ رقطا
وقال أبو القاسم الأبرش يصفه من جهة خريره:
وأنَّ النهرَ يشكو من حصاه ... جراحاتٍ كما أنَّ الجريحُ
وقد يجيد أحد شاعرين من جهة الغرابة، ويجيد الآخر من حيث التركيب؛ كقول الصنوبري يصف الشمعة:
كأنها عمر الفتى ... والنار فيها كالأجل
مع قول الأرجاني يصفها أيضاً:
تنفست نفس المهجورِ إذ ذكرت ... عهدَ الخليطِ فبات الوجدُ يذكيها
فإن تشبيه الشمعة حين تدب فيها النار، وتتناقص شيئاً فشيئاً إلى أن تذهب في الجو هباء منثوراً بعمر الفتى حين ينقضي ساعة فساعة إلى أن يلتقي الأجل بآخر نفس منه فيعود إلى الفناء- تشبيه أدق وأخفى من تشبيهها بصب ذكر عهد الخليط، فقدحت الذكرى في مهجته وجداً بات يحترق بلوعته الملتهبة، ولكن هذا التشبيه أوسع، نطاقاً وأحلى مساقاً.
وربما فاق أحدهما من جهة الغرابة، وفاقه الآخر من جهة المطابقة لحال المعنى؛ كقول ابن الخطيب يصف ليلة: