في قطر يرى فيه المقلة الزرقاء تلوح عليها حمرة الرمد، فقال يصف الورد مفتحاً على شاطئ الخليج:
والورد في شطِّ الخليج كأنه ... رمدٌ أَلَمَّ بمقلةِ زرقاء
ومن الشعراء من لم يأخذ في حافظته صورة المقلة الزرقاء وعليها مسحة من الرمد، كمن نشأ في ناحية الجنوب، وإنما رأى المقلة الرمداء، ولون الزرقة ينفرد أحدهما عن الآخر. وانظر إلى ابن الرومي- حين قال بعض اللائمين: لم لا تشبه تشابيه ابن المعتز وأنت أشعر منه؟ ثم قص عليه تشبيهه للهلال بزورق من فضة وعليه حمولة من عنبر، وتشبيه الآذريون بمداهن من ذهب فيها بقايا غالية- قال ابن الرومي:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، ذلك إنما يصف ماعون بيته؛ لأنه ابن خليفة، وأنا أي شيء أصف؟ ولكن انظروا إذا أنا وصفت ما أعرف أين يقع قولي من الناس.
وقد يتفق الشاعران في معرفة العناصر والهيئة المؤلفة، ويكون أحدهما أشد علقة بها، وكثر تردداً عليها، فيكون خطورها على قريحته أكثر من خطورها على قريحة من شاهدها مرة أو مرتين. كنت رأيت مرة الآلة المصورة، وعرفت كيف ترسم الصورة في زجاجاتها، ولم يسنح لي أن أستمد منها معنى خيالياً حتى نزل بجواري في بعض البلاد أحد المولعين بها، وتكررت ملاحظتي لها، فريثما جال في خاطري معنى الخطأ في فهم الحقيقة، هجمت على صورة الآلة والزجاجة، فقلت:
عذرتك إذ صوَّرت في نفسك الهدى ... ضلالاً وصورتَ الضلال رشادا
فإن زجاجات المصوِّر تقلب الـ ... ـسوادَ بياضاً والبياضَ سوادا
قد يستمد الشاعر من غيره تخييلاً يضيف إليه ما يوسع في نطاقه،