بالحجة على أن في قريحته قوة تمكنها من إنشاء الصورة من أصلها. ومثال هذا قول الخفاجي:
كأن الدجى لما تولت نجومه ... مدبِّرُ حرب قد هَزَمْنَ له صفّا
وقول البارودي يصف الليل أيضاً:
متوشِّحٌ بالنيرات كباسلٍ ... من نسل حامٍ باللجين مدرعِ
حسب النجوم تخلفت عن أمره ... فوحى لهن من الهلالِ بأصبعِ
فإن كان البارودي قد تنبه إلى تشبيه الليل بأمير حرب من بيت الخفاجي، فقد زاد عليه ماهو أغرب منه؛ أعني: ظنه أن النجوم تخلفت عن أمره، ثم إشارته إليها بأصبع من الهلال.
ثالثها: أن يكون الأصل من المعاني التي تتناولها القرائح لأول لفتة؛ إذ أصبحت مبذولة ابتذال تمثيلك جميل الطلعة بالقمر، والمقدام بالأسد، ويسوغ لك بدون شبهة أن تعد التخييل فيما يرجح به وزن صاحب الزيادة البديعة، فالذين شبهوا الزهر بالدراهم كثير، ولكن ابن زمرك أضاف إلى ذلك أن جعل النسيم جابياً لها، فقال:
كأنما الزهر في حافاتها سحراً ... دراهم والنسيم اللَّدْنُ يَجيبها
ومن المتداول تشبيه الأقاح بالثغور، وقد بنى عليه ابن رشيق أن جعل الشمس ترشف منه ريق الغوادي، فقال:
باكر إلى اللذات واركب لها ... سوابقَ اللهوِ ذوات المزاحِ
من قبل أن ترشف شمسُ الضحى ... ريقَ الغوادي من ثغورِ الأقاحِ
ومن المعهود تشبيه الليل بالغراب، فتناوله عبد الرحمن الفنداقي