ولست بذي وجهين فيمن عرفته ... ولا البخلُ فاعلم من سمائي ولا أرضي
لم يطرب له أشد الطرب إلا شخص لا يمسك يده عن الإنفاق في سبيل الخير، ولا يعرف للنفاق عيناً ولا أثراً.
قد يبتهج الرجل للشعر من جهة أنه يحمل مدحاً وإطراء له أو لبعض من يحبهم ويحبونه، وأوضح ما يدلك على أن ارتياح الرجل للشعر إنما نشأ من براعة الشعر نفسه: أن ترى الرجل معجباً بشعر مُدح به بعض خصومه، أو معجباً بشعر تضمن إنكار عمل صدر منه.
تقرأ في كتب الأدب: أن عضد الدولة قتل أبا طاهر محمد بن بقية صلباً، فرثاه أبو الحسن الأبياري بقصيدته التي يقول في أولها:
علوٌّ في الحياةِ وفي المماتِ ... لحقٌّ تلك إحدى المعجزات
وكتبها، ورماها في شوارع بغداد، ولما وصلت إلى عضد الدولة، أعجب بها، وتمنى أن يكون هو المصلوب والمرثي بهذه القصيدة.
ومن دلائل ارتياح الرجل للشعر من حيث إنه جيد الصنعة: أن يسمع شعراً يمدح به غيره ممن لا يربطه به صلة قرابة أو صداقة، فيجيز الشاعر عن شعره هذا بمال كثير.
أنشد ابن حفصة في مجلس جعفر البرمكي قصيدته التي رثى بها معن ابن زائدة، فرقَّ جعفر لسماعها، وأمر له بجائزة سنية، ومما يقول ابن أبي حفصة في هذه القصيدة:
مضى لسبيله معنٌ وأبقى ... مكارمَ لن تبيدَ ولن تنالا
كأن الشمسَ يومَ أصيب معنٌ ... من الإظلام ملبسَةٌ جلالا