تراه في الأمن في درع مضاعفةٍ ... لا يأمن الدهرَ أن يُدعى على عجل
فروى الرشيد البيت، ووصل قائله بجائزة، ويزيد بن مزيد لا يشعر بما فعل الرشيد.
ووفد جعفر بن محمد بن شرف على المعتصم بن صُمادح، وأنشده قصيدة شكا فيها اعتداء بعض العمال على مزرعة له باحدى القرى، فلما وصل في إنشاد القصيدة إلى قوله:
لم يبق للجور في أيامهم أثر ... إلا الذي في عيون الغيد من حور
قال له المعتصم: كم في القرية التي تزرع فيها من بيت؟ قال: خمسون بيتأ، قال: أنا أسوغك جميعها لهذا البيت الواحد.
والواقع أن هذا البيت من أبرع ما تصنعه قرائح الشعراء، والخمسون بيتاً قروياً قيمة له غير مبال في تقديرها، ولو وصلنا إلى مافي نفولس الشعراء لذلك الحين، لوجدنا الذين اغتبطوا الشاعر على هذا البيت المصنوع من درر الألفاظ أكثر ممن اغتبطوه على تلك البيوت المصنوعة من الطين والحجارة. وسمع ابن جني قول المتنبي:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ... حتى يراق على جوانبه الدم
فقال: لو لم يقل المتنبي غير هذا البيت، لتقدم به أكثر المحدثين.
وأنشد محمد بن كناسة إسحاق بن إبراهيم بيتين من الشعر، فقال إسحاق: وددت - والله - لو أن هذين البيتين لي بنصف ما أملك. والبيتان هما: