فالشاعر يريد: أنه ظلّام للناقة بنحر فصيلها للأشعث البائس، أو المقرور الذي برى الدهر ماله، ولكنّ ألفاظه لا تدل على ما أراد، قال الجرجاني بعد أن أورد البيتين: هل يشك من أنشدهما أن الشاعر وصف نفسه بأقبح الصفة، وأضاف إليها أشنع الظلم؛ وإنما أراد: أني أظلم الناقة فأنحر فصيلها لأجل هذا الأشعث أو الجار، ولو قال:"وإني لنحّار"، لاتضح المعنى، وإنما يتضح المعنى نظراً إلى أن النحر الذي هو إصابة النحر معروف في تذكية الإبل، فهو مصروف إلى هذا المعنى.
ومما يؤخذ على الشاعر في الرثاء والتعزية: أن يتوسل بالحط من شأن الميت إلى تخفيف مصابه على من يعز عليه فقده، كما قال البحتري يعزّي أبا نهشل الطوسي على وفاة ابنته:
أتبكي من لا ينازلُ بالسيـ ... ـف مُشيحاً (١) ولا يهزُّ اللواءَ
والفتى من رأى القبورَ لما طا ... ف به من بناته أكفاءَ
قد ولدن الأعداء قدماً وورثـ ... ـن التلاد الأقاصيَ البعداءَ
ثم قال:
ولعمري ما العجزُ عندي إلا ... أن تبيتَ الرجالُ تبكي النساءَ
فقد خرج البحتري من مقام تعزية أبي نهشل بوفاة ابنته إلى هجوها، والحط من شأنها, وليس هذا طريق تسلية الآباء عن بناتهم، وتخفيف حزنهم عليهن، والتحدث بنقائص الميت، أو بسلب خصال الكمال عنه، مما لا ترتاح له نفس قريب أو صديق يأسف لفراقه.