ونجد أبا عبيدة في كتاب "مجاز القرآن" يستعمل كلمة "مجاز" - عند تفسير اللفظ بمعنى فيه خفاء، كما قال: والرحمن مجازه ذو الرحمة، والرحيم مجازه الراحم، وكما قال في قوله تعالى:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ}[المائدة: ٢]: مجازه: ولا يحملنكم، ولا يغرينكم، ومجاز {شَنَآنُ قَوْمٍ} أي: بغضاء قوم، وكما قال في قوله تعالى:{وَمَا أُهِلَّ بِهِ}[البقرة: ١٧٣]، أي: ما أريد به، وله مجاز آخر، أي: ما ذكر عليه من أسماء آلهتهم. فليس المراد من المجاز في هذا المقام ما يقابل الحقيقة، وإنما يراد به: مخرج الكلام، وما يقال في تفسيره.
فإن أراد المحاضر من دعوى نشأة البيان عند المتكلمين: أنهم الذين أخذوا في وضع قواعده، وتنظيم مسائله، قلنا له: قد سميت هذا الذي كان يدور بين المتكلمين بملاحظات، فقلت:"وإن الجاحظ يرجع في ذلك إلى علماء الكلام، يعتمد على ملاحظاتهم التي كان يأخذها على بعضهم البعض".
وإذا كان ما يجري بين المتكلمين من قبيل الملاحظات، فهو من نوع ما يلاحظه البلغاء من غير المتكلمين عندما ينقدون شعراً أو خطبة، وليس النقد عند الأدباء ورواة الأشعار بعزيز.
ولم يقدم لنا المحاضر أمثلة من الملاحظات التي أخذها بعض المتكلمين على بعض حتى نستبين الفرق بينها وبين ملاحظات غيرهم من الأدباء، ونقضي بأن أصول البيان إنما نشأت عند علماء الكلام، ولو وجدنا شيئاً من هذه الملاحظات في مثل كتاب "البيان والتبيين"، لقلنا: إن المحاضر اجتزأ بما احتوته هذه الكتب عن ذكر أمثلتها.
وإذا كنا نجد الجاحظ قد نقل عن بشر بن المعتمر أحدِ جهابذة علم