للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أستاذه المبرد إذ قال في كتاب "الكامل": "من كلام العرب: الاختصار المفهم، والإطناب المفحم، وقد يقع الإيماء إلى الشيء، فيغني عند ذوي الألباب عن كشفه". وساق عليه من الشعر أمثلة، وقدامة نفسه ينقل لنا أن بعضهم، وهو خلف الأحمر، وصف البلاغة، فقال: "في لمحة دالة". ويشابه هذا قول خلف أيضاً: "إن كلام العرب أوعية، والمعاني أمتعة، فربما جعلت ضروب من الأمتعة في وعاء واحد".

وانفرد قدامة بالنوع الذي يسميه: "الارداف"، والإرداف من وادي الكناية؛ فإنه يسوق في أمثلته: "بعيدة مهوى القرط"، وقول امرئ القيس:

نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضُّل

والكناية تحدَّث عنها ابن المعتز، ومن تقدم ابن المعتز؛ كالجاحظ، والفراء، وقدامة نفسه يقول: ومن هذا النوع ما يدخل في الأبيات التي يسمونها: "أبيات المعاني (١) ". ونحن نعلم أن ابن قتيبة ألف فيها مجلداً حسناً.

وانفرد قدامة بالنوع الذي يسميه: "التمثيل"، وهو أن يريد الشاعر معنى، فيضع كلاماً يدل على معنى آخر، وذلك الكلام ومعناه ينبئان بما أراد الإشارة إليه.

وإذا نظرنا إلى الأمثلة التي ساقها قدامة، وأبو هلال العسكري على


(١) أبيات المعاني من الشعر ما يقع فيه الإبهام من جهة معانيه، وسميت أبيات المعاني؛ لأنها لا تفهم لأول الأمر، بل تحتاج أن يسأل عن معانيها. ومن أمثلتها:
قد وسموا إبلهم بالنار ... والنار قد تشفي من الأوار
يريد: أنهم أهل عزة ومنعة، فراعي إبلهم يسقي الإبل، ولا يزاحمه أحد من أجل سماتهم الخاصة التي عليها.