هذا النوع، وجدنا فيها ما يرجع إلى الاستعارة بالكناية؛ كقولهم:"نقي الثوب"، أو إلى ما يكون وجه الشبه فيه منتزعاً من هيئة؛ يقول الشاعر:
ألم تك في يمنى يديك جعلتني ... فلا تجعلَنِّي بعدها في شمالكا
ومن بحثوا في الاستعارة، وعرفوا وجه الشبه فيما يضرب من الأمثال، يعد تمثيل قدامة في متناول مباحثهم، ومن أيسر معلوماتهم.
وانفرد قدامة بالنوع الذي يسمى بالتصريع، وهو أن يقصد الشاعر إلى مقطع المصراع الأول من البيت الأول في القصيد، فيجعله موافقاً للقافية، وقد سبقه الناس إليه، وهذا أبو تمام يقول:
وتقفو إلى الجدوى بجدوى وإنما ... يروقك بيت الشعر حين يصرَّع
وانفرد قدامة بالنوع الذي يسمى:"صحة التفسير"، وهو أن يضع القائل معاني، ثم يذكر أحوالها من غير أن يعدل عنها, ولا يزيد عليها, ولا ينقص منها، ومثاله: قول صالح بن جناح اللخمي:
ولي فرس للحلم بالحلم ملجمٌ ... ولي فرس للجهل بالجهل مسرجُ
فمن رام تقويمي فإني مقوَّمٌ ... ومن رام تعويجي فإني معوَّجُ
ونحن نعلم أن للبلغاء والأدباء في نقد الشعر من حيث عدم مناسبة بعض أجزائه لبعض قصصاً متعددة، وقدامة نفسه يدلنا على أن الأدباء من غيره يعرفون هذا النوع من حسن البيان، فإنه يذكر لنا أن شاعرًا أنشد جماعة من الشعراء قوله:
فيا أيها الحيران في ظُلم الدجى ... ومن خاف أن يلقاه بغيٌ من العدا
تعال إليه تلق من نور وجهه ... ضياء ومن كفيه بحراً من الندى