للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تركتكم، عدتم إلى مجالسكم حلقاً عزين، تضربون الأمثال، وتناشدون الأشعار".

ثم قال (مرغليوث): "إن القرآن قد ذمّ الشعراء في قوله: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: ٢٢٤ - ٢٢٥]، وهذا الذم يكون من أقوى الدواعي إلى الانصراف عن الشعر وتناسيه، وهناك سبب آخر، وهو أن أكثر الأشعار الجاهلية كانت تشتمل على مفاخر قومية، وحيث كانت غاية الإسلام توحيد الأمة العربية -وقد أفلح في ذلك-، كان بالطبع يحتم على الناس تناسي كل قول يثير الأضغان، ويهيج الأحقاد".

ذمُّ القرآن للشعراء قد فهمه أهل العلم على الشعر المشتمل على زور، أو مناهضة حق، وما عداه، فمأذون في إنشاده، قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: "إن من الشعر حكمة" (١). وقال: "أصدق كلمة قالها الشاعر: كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل" (٢). ومن الثابت أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يتناشدون الأشعار. فقد أخرج ابن أبي شيبة بسند حسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: لم يكن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منحرفين، ولا متماوتين، وكانوا ينشدون الأشعار في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم على شيء من دينه، دارت حماليق عينيه.

وروي من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر، قال: كنت أجالس أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أبي في المسجد، فيتناشدون الأشعار، ويذكرون حديث الجاهلية.


(١) "الجامع الصحيح" للبخاري.
(٢) "الجامع الصحيح" للبخاري.