أعجمياً على عربي إلا بالتقوى. وهذا ابن قتيبة -وهو فارسي- قد كان من أشد أنصار العرب، وأوسعهم بياناً في الرد على الشعوبية، وذلك الجاحظ -وهو من الموالي- قد أنفق "ما يملك من قوة ليثبت أن العرب يستطيعون أن ينهضوا لكل هذه المفاخر الأعجمية، وأن يأتوا بخير منها"(١).
وليس الإِسلام دين العرب وحدهم، وإنما هو أدب الإنسانية، ونظام الحياة الراقية، وفي العجم والموالي من نصحوا له نصحَ العرب، فجاهدوا في إعلاء كلمته، وأنفقوا ما أوتوا من قوة في بيان حكمته، ولا يغضّ منه إلا من نشأ على غير روية، وأصبح الشر من طرف لسانه قريباً.
ليست المسألة نظرية محضة حتى يسهل على المؤلف أن يتحدث فيها باجتهاده المطلق، وإنما هي مسألة تاريخية، والمسائل التاريخية لا يترك فيها المنقول إلى غير منقول.
يحكي التاريخ: أن طائفة قامت تنادي بالمساواة بين الشعوب، فسمّوا:"أهل التسوية"، وسمّوا:"الشعوبية"، وربما يغلو بعض أفراد من هذه الطائفة، فيذهب إلى ازدراء العرب، والغضّ من شأنهم، ولا يبلغ ازدراء العرب إلى أن يكون زندقة، وما هو إلا كازدراء التميمي أو الأنصاري لقريش، لا يتجاوز أن يكون هوى غالباً، أو عصبية عمياء، وقد يصف التاريخ بهذه النزعة بعض أشخاص؛ كأبي عبيدة، وإسماعيل بن يسار، وسهل بن هارون.
ولا تتعدى هذه الطائفة أن تنال العرب في بعض عوائدهم وشؤونهم القومية، وأكثر ما تمشي في ذمهم إلى أيام جاهليتهم، ولا تجدها تضرب إلى