للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان ذلك الإطلاق مظنة لأن يراد منه إباحة المباشرة للصائم في جميع الأحوال والأماكن، فخُصَّ من سائر الأحوال: الاعتكافُ، ومن الأماكن: المساجد، فقال: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}.

{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}:

المشار إليه: الأحكام المقررة فيما سبق؛ من إيجاب وتحريم. والحد في اللغة: الحاجز بين الشيئين المتقابلين؛ ليمنع من دخول أحدهما في الآخر. وسميت الأحكام حدوداً؛ لأنها تحجز بين الحق والباطل. والآيهَ واردة مورد النهي عن مخالفة تلك الأحكام. ومعنى: لا تقربوها: لا تأتوها بالمخالفة. ودل على النهي عن مخالفتها بالنهي عن قربها؛ مبالغة في التحذير من مخالفتها؛ لأن النهي عن القرب من الشيء نهي عن إتيانه نفسه بالأحرى. والآية تنبه بقولها: {فَلَا تَقْرَبُوهَا}؛ لاجتناب ما فيه شبهة، وترشد إلى ترك الأشياء التي تفضي في غالب أمرها إلى الوقوع في حرام.

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}:

المعنى: مثل ذلك البيان الذي بَيَّن الله به الحدود المنهيَّ عن قربها بالمخالفة، يبين آياته؛ أي: أدلته للناس وحججه؛ لكي يتقوا حدوده فيما أمر به، أو نهى عنه، أو أباحه.

{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}:

لا تأكلوا: لا تأخذوا. والمعنى: لا يأخذ بعضكم مال بعض، ويستولي عليه بغير حق. وعبر عن الأخذ بالأكل؛ لأن الأكل أهم وسائل الحياة، وفيه تصرف الأموال غالباً. وهذه الآية أصل من الأصول التي يقوم عليه إصلاح المعاملات، وقد دلت على حرمة أكل أموال الناس بالباطل على وجه الإجمال،