للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقبل عليهم مخاطباً لهم بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، فخطاب الأمر بالعبادة متوجه إلى الفرق الثلاث، أما الكافرون والمنافقون، فعلى معنى أمرهم بأداء العبادة، والمنافقون -وإن أدوا بعض العبادات- فإنهم يؤدونها خالية من شرط صحتها الذي هو قصد امتثال أمر الله تعالى، وأما المؤمنون، فأمرهم بالعبادة على معنى طلب ازديادهم منها، ومداومتهم عليها.

والخطاب يتناول الموجودين في هذه الفرق وقت نزول الآية، ومن سيوجد منهم إلى قيام الساعة، وخطاب الشارع -على هذا الوجه من العموم- معلوم من الدين بالضرورة.

ويصح جعل الخطاب في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} موجهاً إلى الكافرين خاصة، ويؤيده أن قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}، وقولى تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} إنما يليق بالمنكرين، ولكن إيراد الخطاب شاملاً لأقوام، ثم الانتقال بعد إلى خطاب فريق منهم، أسلوب مألوف في أساليب بلاغة اللغة العربية.

والعبادة الصحيحة ما تحقق فيها شرطان: قصد امتثال أمر الله تعالى، وموافقتها للهيئة المأخوذة عن الشارع، فالعبادة التي لا يقصد بها امتثال أمر الله، أو تفعل على وجه مبتدع، عبادة مردودة على وجه صاحبها.

وأورد الأمر بالعبادة في صيغة الخطاب المقرون بالنداء؛ اهتماماً بأمر العبادة، وتفخيماً لشأنها؛ ذلك أن صيغة الخطاب المصدر بالنداء، يهز داعية المخاطبين إلى استماع الكلام أكثر مما يهزها صيغة الغيبة، أو صيغة الخطاب من غير نداء.