للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعبادة جديرة بالاهتمام وتفخيم الشأن؛ إذ للعبادة خلق الجن والإنس، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦].

وفي قوله تعالى: {رَبَّكُمُ} تقوية لداعية امتثال الأمر، وتنبيه على أظهر شيء يدعوهم إلى أن يتوجهوا إليه بالعبادة، ويخصوه بها، وهو نعمة الربوبية. {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}:

أمر الله تعال بعبادته، وأتبع الأمر بما يدل على وجوده، وهو خَلق المخاطَبين، وخلق من قبلهم، والخلق: إيجاد الجواهر، وهو بهذا المعنى لا يوصف به إلا الله تعالى، ولا يصح إطلاقه على غيره بحال، ويقال بمعنى: التقدير والتسوية، وهذا المعنى يجوز نسبته إلى غير الله تعالى؛ كما وصف عيسى - عليه السلام - في قوله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي} [المائدة: ١١٠].

وقدم وصفه بخلق المخاطبين على وصفه بخلق من قبلهم، وكان مقتضى الترتيب الزمني أن يقال: "الذين من قبلكم، وخلقكم" ذلك أن علم الإنسان بأحوال نفسه أظهرُ من علمه بأحوال غيره.

وللقرآن المجيد في الاستدلال على وجود الخالق تعالى طريقان: طريق الاختراع، وهو الاستدلال بما أبدعه - جل شأنه - من المخلوقات؛ مثل: إيجاد الحياة في الجماد، وطريق العناية بالإنسان، ويرجع هذا الطريق إلى موافقة وجود المخلوقات لوجود الإنسان؛ أي: إن خلقها كان لمنفعته؛ كما قال تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩].

{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}:

ترد (لعل) في كلام العرب لرجاء المتكلم، وهو ارتقابه الشيء المحبوب،