تتوقف عليها إقامة الشعائر الدينية، وصلاح الرعية إلخ. المعروف الذي ارتضاه علماء السياسة: أنه لا بدّ لاستقامة الأمر في أمة متمدنة، سواء كانت ذات دين، أم لا دين لها، وسواء كانت مسلمة أم مسيحية أم يهودية، أم مختلطة الأديان، لا بد لأمة منظمة، مهما كان معتقدها، ومهما كان جنسها ولونها ولسانها، من حكومة تباشر شؤونها، وتقوم بضبط الأمر فيها، وقد تختلف أشكال الحكومة وأوصافها بين دستورية واستبدادية، وبين جمهورية وبلشفية، وغير ذلك".
الدليل المشار إليه يرجع إلى قاعدة قائمة على رعاية المصالح، وهي قاعدة قطعية؛ لأنها منتزعة من أصول وأحكام مبثوثة في الكتاب والسنّة، وقد أقامه العلماء في مناظرة النفر الذين خالفوا في نصب الإمام، ذاهبين إلى أنه لا تجب إقامة حكومة. ولا شك أن هذا الدليل ينسف مذهبهم نسفاً، ولو خالف في شكل الحكومة مخالف، لأفصح عن رأيه، ولكان لأهل العلم معه موقف غير الموقف الذي نراه في علم الكلام.
فالدليل بالنظر إلى مذهب الخصم الذي كانوا يجادلونه به، حجة ساطعة، وليس بالدليل الهين، ولا الضعيف، ولكن المؤلف لا يضبط وجه البحث، ولا يحدُّ موضوعه حداً بيناً، فيقع فيما لا يقع فيه الكرام الكاتبون.
قال المؤلف في (ص ٣٤): "ولعل أبا بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - إنما يشير إلى ذلك الرأي حينما قال في خطبته التي سبقت الإشارة إليها: لا بد لهذا الدين ممن يقوم به".
صدرت هذه المقالة من أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في خطبته بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبويع عقبها بالإمارة العامة، وتسمّى خليفة، وسار في حكومته