فقول بعض الرواة: بُعث قاضياً، أو قول الإمام: "بعثت قاضياً" لا يعارض قول بعضهم: بعث ليقبض الخمس، متى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - صرح له بالقضاء، وقبض الخمس بوجه خاص، زيادة على أن بعثه مكان خالد يقتضي النظر في القضايا، وفصل الخصومات.
ترك المؤلف ما رواه البخاري أولاً من أن علي بن أبي طالب بعث مكان خالد بن الوليد، ونقل الحديث الثاني الذي يقول فيه الراوي: بعثه إلى خالد ليقبض الخمس، وحاول أن يضرب بهذه الرواية رواية ولايته القضاء؛ ليخلص من أثر يشهد بأن للقضاء في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - حديثاً ينقل، أو اسماً يدور على الألسنة، والعلماء الذين درسوا باب التناقض من علم المنطق، وباب التعارض والترجيح من علم الأصول، تفهموا هذه الروايات على وجه جامع، ولم يروا بينهما اختلافاً يدعو إلى حيرة، أو إلغاء الروايتين، أو ترجيح إحداهما على الأخرى.
يقول الإمام البخاري: بعث علياً بعد ذلك ليقبض الخمس. ومن الجليّ لدى المبتدئين من طلاب العلم أن المراد: خمس الغنيمة، ولكن المؤلف الذي لم يقنع برتبة مجتهد، وحاول أن يكون مشرّعاً، يقول: "ويروي الآخر: أنه كان لقبض الخمس من الزكاة" وليس في الزكاة شيء يقال له: الخمس، ولكن الله ضرب هذا المثل لنشهد به حظ المؤلف من فهم كتب الشريعة، وليعلم الذين يريدون أن يتبعوا خطواته أنهم ركبوا غارب عشواء، وفتحوا أعينهم في ليلة ظلماء.
قال المؤلف في (ص ٤٤): "ومعاذ بن جبل كذلك، ذهب إلى اليمن