للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يلقبوا الرسول - عليه السلام - بالملك، أو يسمّوا رياسته ملكاً، فاتخذ ذلك ذريعة لما يخادع به قراء كتابه من أن المسألة صالحة لأن تدخل تحت طائلة البحث، وأنه ما وجد فيها للعلماء رأياً صريحاً، ولا وجد من تعرض للكلام فيها.

لم يخطر على بال أولئك العلماء أن الأيام سيجيئها المخاض، فتضع في بيوت المسلمين وليداً يقال له: "كتاب الإسلام وأصول الحكم" حتى يُعِدّوا له ما استطاعوا من التصريح بأن الرسول - عليه السلام - كان ملكاً، وأن بجانب نبوته سياسة يقال لها: ملك.

ولا أدري لماذا لم تخطر على بالهم هذه النادرة، وهم كثيراً ما يفصلون أحكاماً لصور لم تجر العادة بوقوعها، ولعلهم لم يذهلوا عن مثلها، ولكنهم حسبوا أن القرآن والسنّة النبوية المتواترة، وبحثهم في الخلافة صريحة في أن للنبي رياسة سياسية، وأن هذه الصراحة تمنع من ينتمي للإسلام -وهو يحمل قلباً يفقه- أن يقول: لا نعرف لأحد من العلماء رأياً صريحاً في ذلك البحث، ولا نجد من تعرض للكلام فيه.

على أن العلماء يتعرضون لهذه الرياسة السياسية في بحث الخلافة، وفي غير بحث الخلافة، ولم يفتهم إلا أن يسمّوها: ملكاً، واختاروا أن يسموها: القضاء والإمامة؛ كما صنع الإمام شهاب الدين القرافي في: الفرق السادس والثلاثين (١). بين قاعدة تصرفه - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء، وبين قاعدة تصرفه بالفتوى، وبين قاعدة تصرفه بالإمامة.


(١) كتاب "الفروق" (ج ١ ص ٢٤٩) طبع تونس.