للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: ٥٤]، وفي هذا دليل واضح على أن حكومة أبي بكر - رضي الله عنه - لم تكن من نوع اللاديني؛ إذ الحال الذي ينطبق عليه معنى الآية إنما وقع في عهد خلافته، فإن الذين ارتدوا من العرب بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما قاتلهم أبو بكر بمن معه من الصحابة الأكرمين، وقد أخبر الله تعالى أنه يحبهم، وشهد لهم بأنهم يحبونه، ولو كان يحكم بغير ما أنزل الله، لكان ظالماً، أو فاسقاً، والله لا يحب الظالمين، ويبغض الفاسقين. وليس لأحد ادعاء أن الآية مسوقة في غير المرتدين بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن تاريخ الإسلام لم يقصّ علينا أن قوماً قاتلوا المرتدين الموجَّه إليهم خطاب هذه الآية غير أبي بكر وجنده الغالبين.

ومما يشهد بأن حكومة الخلفاء الراشدين دينية إسلامية: قوله تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: ١٦].

فإن قوله: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} كلام لم يعين فيه "الفاعل الداعي لهم إلى القتال، فدل القرآن على وجوب الطاعة لكل من دعاهم إلى قتال قوم أولي بأس شديد، يقاتلونهم أو يسلمون، ولا ريب أن أبا بكر دعاهم إلى قتال المرتدين، ثم قتال فارس والروم، وكذلك عمر دعاهم إلى قتال فارس والروم، وعثمان دعاهم إلى قتال البربر ونحوهم، والآية تتناول هذا الدعاء كله" (١).

"فإن قال قائل: يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي دعاهم، قيل له:


(١) "منهاج السنّة" (ج ٤ ص ٢٧٨).