للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها أبو قتادة، فجاؤوا به وبأصحابه إلى خالد، واختلفت السرية فيهم، فشهد أبو قتادة أنهم أذنوا وصلَّوا، فحبسهم عند ضرار بن الأزور، وكانت ليلة ممطرة، فنادى مناديه: "أن ادفئوا أسراكم"، وكانت في لغة كنانة كناية عن القتل، فبادر ضرار بقتلهم، وكان كنانياً، وسمع خالد الواعية (١)، فخرج متأسفاً وقد فرغوا منهم ... ويقال: إنهم لما جاؤوا بهم إلى خالد، خاطبه مالك بقوله: فعل صاحبكم، شأن صاحبكم، فقال له خالد: أو ليس لك بصاحب؟ ثم قتله، ثم قدم خالد على أبي بكر، وأشار عمر أن يقيد منه بمالك بن نويرة، ويعزله، فأبى ... وودى مالكاً وأصحابه، ورد خالداً إلى عمله" (٢).

هذا ما يحكيه ابن خلدون، وهو خلاصة ما رواه ابن جرير الطبري وغيره، ويتلخص منه أن في قتل مالك روايتين:

إحداهما: أن قتله وقع خطأ من جندي لا شأن له إلا أن ينفذ ما يأمر به رئيسه الأعلى.

ثانيتهما: أن خالداً قتله؛ لكلام دله على أنه لا يعترف بخلافة أبي بكر.

وقد رأيت كيف أعرض المؤلف عن الرواية الأولى؛ لأنها لا توافق ما يخالط نفسه "من عواطف وشهوات".

ولنساير المؤلف في هنه الرواية الراجحة عنده، ونبحث فيها من وجهين:

هل كان خالد محقاً في قتل مالك بن نويرة، أم لا؟ وهل ما فعله الصدّيق من معذرة خالد صواب أم لا؟


(١) الصراخ.
(٢) "تاريخ ابن خلدون" (بقية ج ٢ ص ٤٧).