للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{لِنْتَ}، والمعنى: ما لنت لهم إلا برحمة من الله، ونظيره قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة: ١٣]؛ أي: ما لعناهم إلا بنقضهم ميثاقهم.

والرحمة يوصف بها الإنسان، فتكون بمعنى العطف والحنو، وهذا المعنى الذي هو رقة القلب لا يصح أن تفسر به الرحمة الواردة وصفاً للباري -جل جلاله- , بل نقول: إن رحمة الله صفة ثابتة له تعالى، لا نعلم حقيقتها، وإنما نعرف أثرها الذي هو إيصال الخير، كما أننا لا نعلم حقيقة علمه تعالى، وإنما نعرف أنه صفة تحيط بالأشياء على ما هي عليه.

دلت الآية على أن لينه - عليه الصلاة والسلام - لمن خالفوا أمره، وتولوا عن موقع القتال، إنما كان برحمة من الله. فالله حقيق بحمد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ وفقه لفضيلة الرفق بأولئك المؤمنين، وحقيق بحمد أولئك المؤمنين؛ إذ كان لين رسول الله إنما هو أثر من أثر رحمة الله.

{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ}:

الفظاظة: الخشونة. وغلظ القلب: قسوته. والانفضاض: الانصراف، والمعنى: لو كنت خشناً في قولك أو فعلك، قاسي القلب، لانصرفوا من مجلسك، ولما استضاؤوا بنور هديك، والفعل الواقع بعد (لو) الشرطية في حكم المنفي، فقوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا} ينفي عنه - عليه الصلاة والسلام - الفظاظة التي تظهر في قول أو فعل، وقوله: {غَلِيظَ الْقَلْبِ} ينفي عنه سبب الفظاظة الذي هو جفاء الطبع، وبهذا يثبت له - عليه الصلاة والسلام - لين الجانب، وسماحة الخلق، وكأن الآية تقول: هو لين في قوله وفعله، وإن لينه هذا لم يصدر عن أمر عارض من نحو رغبة أو رهبة، بل كان عن طبيعة كريمة في النفس.