وليعتبر في هذه الآية من يتولى أمراً يستدعي أن يكون بجانبه أصحاب يظاهرونه عليه، حتى يعلم يقيناً أن قوة الذكاء وغزارة العلم وسعة الحياة وعظم الثروة، لا تكسبه أنصاراً مخلصين، ولا تجمع عليه من فضلاء الناس من يثق بصحبتهم إلا أن يكون صاحب خلق كريم من اللين والصفح والاحتمال.
وطبيعة اللين وسماحة الخلق، لا تنافي مزية الحزم، والأخذ بالتي هي أشد عندما يقتضي الحال ذلك:
إذا قيل رفقاً قال للحلم موضع ... وحلم الفتى في غير موضعه جهل
وتمييز موضع اللين من موضع الشدة يرجع إلى ذكاء الإنسان، وإدراكه لطبائع الأشخاص الذين ينالونه بمكروه.
{فَاعْفُ عَنْهُمْ}:
العفو: عدم المؤاخذة على الإساءة مع القدرة على المؤاخذة عليها، والحلم: ضبط النفس في هيجان الغضب، وإذا قيل: إن العفو والحلم متقاربا المعنى، فلأن عدم المؤاخذة على الإساءة المسمى عفواً إنما يعد في مكارم الأخلاق متى صار طبيعة للنفس، وإذا صار طبيعة لها، سهل ضبطها عن هيجان الغضب، وكذلك ضبط النفس عن هيجان الغضب يعد في مكارم الأخلاق بالنظر لما يتبعه من عدم المؤاخذة على الإساءة، فأمر الرجل بأحد الوصفين: العفو والحلم، أو مدحه به، يغني في نظر علماء الأخلاق عن أمره أو مدحه بالآخر.
والعفو الخالص: أن لا يؤاخذ الرجل بالإساءة، ولا يبقى له في نفسه أثر من غيظ، حتى يكون حاله في معاملة المسيء، وحبه له الخير، كحاله