للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يورثان الحياة الطيبة في الأولى والآخرة، ومما يحيى المؤمنين الحياة الطيبة: جهاد العدو المحارب، ذلك أن العدو إذا استولى على الأمة، قبض على زمام أمرها بيد غاشمة، وأقام بينها وبين القوة والعزة حواجز، فلا تعيش إلا في ضعف وذلة ونكد من العيش، وقتال العدو يدفع عنها هذه الكارثة، ويمكنها من أن تفوز بسلامة أعراضها وأموالها، وتتمتع بالحرية في إدارة شؤونها، وابتغاء وسائل رفعتها، وإقامة شعائر دينها، والتقاضي إلى أحكام شريعتها، وذلك عين الحياة الطيبة في الدنيا، ووسيلة الحياة الطيبة في الأخرى.

{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}:

يحول: يحجز، والمعنى: أن الله يحول بين المرء ومقاصده؛ أي: إنه قد يفعل ذلك، وقال: {بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} مكان بين المرء ومقاصده؛ لأن القدرة على الحيلولة بين المرء وقلبه تستلزم القدرة على الحيلولة بين المرء وكل مقصد يحضر قلبه، ويعقد عليه عزمه، وكذلك نرى المرء قد يريد خيراً أو شراً، ثم ينصرف عنه، نراه قد أراد خيراً، فيغضب، ويدفعه الغضب إلى أن يريد شراً، ونراه قد عزم على شر، فيرى حجة، أو يسمع موعظة، فيعود إلى إرادة الخير.

فالآية تشعر المخاطبين بأنهم لا يملكون تنفيذ ما عزموا عليه إلا أن يأذن به الله، فإذا استجابوا لله وللرسول، فليس من حقهم أن ينسبوا الطاعة إلى أنفسهم كأنهم استقلوا بها من بدايتها إلى نهايتها، بل واجبهم أن يذكروا عند القيام بالطاعة فضل الله عليهم؛ إذ وفقهم لها، ولم يحل بينهم وبينها. أمرهم أن يعلموا أنه يملك قلوبهم التي هي مواطن إرادتهم، ثم أمرهم أن يعلموا أن مصيرهم إليه، فقال تعالى: