ودفعُ هذه الشبهة أن الفعل الواقع في الماضي قد يعبر عنه بصيغة المضارع لمقتضيات بلاغية، منها: أن يكون المعنى موضع غرابة؛ فإن المضارع من جهة دلالته على الحال يتوسل به المتكلم البليغ إلى إخراج الحادث الغريب في صورة الواقع في الحال؛ ليبلغ تعجب المخاطب من وقوعه مبلغ تعجبه من الصورة البديعة في حال مشاهدتها. وعلى هذا الوجه ورد قوله تعالى:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران: ٥٩].
قال:{فَيَكُونُ}، والموضع في الظاهر للماضي؛ لأن وجود إنسان من غير أب حادث غريب، فحاله يقتضي أن يعبر عنه بالمضارع؛ لإحضاره في ذهن المخاطب حتى فإنه مشاهد له.
ومن دواعي التعبير عن الماضي بصيغة المضارع: الإشارة إلى استمرار الفعل وتجدده فيما مضى حيناً بعد حين؛ فإن الاستمرار التجددي يستفاد من المضارع على ما جرى عليه استعمال البلغاء، وصيغة الماضي لا تعرج على هذا المعنى. فالتعبير بصيغة المضارع في قوله تعالى:
يدل على معنى زائد على أصل الاصطفاء الذي يدل عليه الماضي، ويقف عنده.
وذلك المعنى هو أن اصطفاء الرسل كان يتجدد، ويقع مرّة بعد أخرى، والقرينة الشّاهدة بأن {يَصْطَفِي} مراد منه الاصطفاء الواقع قبل نزول هذه الآية هي آية: {وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب: ٤٠]، والأحاديث المستفيضة في إغلاق باب الرسالة والنبوة.