للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المحاكم، وإذاعتها بين من لا خير في اطلاعهم عليها، وأمر بوضع أمثال هذه القضايا بين أيدي رجلين من أسرتيهما؛ ليسلك بها سبيل الإصلاح ما أمكن الإصلاح، قال تعالى:

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: ٣٥].

والحق أقول: إن الذي ينظر في التشريع الإسلامي بعين الباحث حر الفكر، يراه قد أقام الزوجية على أساس من العدل، وكساها آداباً تجعلها صلة روحية تساوي أقرب الصلات النسبية وأمتنها؛ كالبنوة والأخوة، وقد تلقينا عن التاريخ، ورأينا بأعيننا أزواجاً وزوجات عرفوا حقوق الزوجية، واحتفظوا بآدابها التي نصح بها الإسلام، فعاشوا في ارتياح وهناءة موصولين بتعاطف واحترام، وربما ظهر هذا فيما يصدر من الزوجين من عبارات الأسف والتحسر عند الوداع؛ كما قال ابن دَرَّاج عند وداع زوجته:

ولما تدانت للوداع وقد هفا ... بصبري منها أَنَّةٌ وزفيرُ

تُناشدني عهدَ المودةِ والهوى ... وفي المهدِ مبغومُ النداء صغيرُ

حتى قال:

وطار جناحُ البين بي وهفت به ... جوانح من ذعر الفراق تطير

وقد تظهر هذه العواطف الرقيقة في وصية عند حضور الموت؛ كما قال يحيى الهندي الأندلسي يوصي بأن يدفن حذاء زوجته التي توفيت قبله، وحزن عليها حزناً بالغاً:

إذا متُّ فادفني حذاء خليلتي ... يخالط عظمي في التراب عظامها