في القلوب، ويكفوه عن أن يشيع فيها فاحشة التقاطع، والقصد إلى الأذى.
يبدو لنا أن تلك الدعاية التي تأكل الطمأنينة والهمم الخطيرة من نفوس أبنائنا، لم يتيسر لها أن تبلغ ما بلغت إلا بالتفرق الضارب بين علماء الإِسلام، فإن من أهل العلم من لا يشعر بهذه الفتنة كما هي، ومنهم من يشعر بها وبسوء مغبتها، ويدري من أين تثور عاصفتها, ولكن تعظم في عينه حتى يأخذه اليأس من أن توجد قوة تطعن في مقاتلها.
نظر القائمون على جمعية الهداية إلى هذه العلة: علةِ تفرق أهل العلم، فوضعوا في منهج الجمعية أن تعمل على تعارف العلماء المستنيرين أينما كانوا، حتى يكونوا على بينة من أمر هذه الدعاية، وينهضوا لإطفائها من حول فتياننا وفتياتنا قبل أن يصلَوها وهم لا يعقلون.
لا يهولنا خطب هذه الدعاية النزقة، ولا يخالط أوهامنا أن أمرها قد نفذ، وأنها أصبحت الروح المتفشي في البلاد، فإننا نخاطب الفطر السليمة، والعقول النابهة، وإنما نخاطبها بالحجة. وما وقعت الحجة إلى فطرة سليمة، أو إلى عقل نابهٍ إلا كانت الهداية ثالثهما.
ولقد قام محمد - صلوات الله عليه -، والروح السائدة في البلاد جحود وخلاعة، فجاهد بما أوتي من حكمة، فقلب الجحود إلى طمأنينة، والخلاعة إلى وقار وعفاف، ولم يقف أمام حكمته ما يملكه خصومه من ألفاظ وأساليب، ولا ما يملكونه من ثراء وزعامة. وهذا ما يملكه أعداء شريعته السمحة في هذا اليوم، فإن أومؤوا إلى الفلسفة، أو تفيقهوا باسم الفلسفة، قلنا: الصادق من نظراتها يخدم القرآن، وسفسافُها لا يلقي الشبهة في كلام البشر، فضلاً عن أن يعترض حكمة علام الغيوب.