وإذا كان نقل المعاني الأصلية قد يقع صحيحاً، وكان في مستطاع من يجيد لغة أجنبية أن ينقل هذه المعاني من اللغة العربية إلى اللغة التي أجاد معرفتها، لم يبق سوى النظر في تفصيل حكم هذا النقل، وبيان حال المنع منه، أو الإذن فيه.
ويرجع النظر في هذا البحث إلى مقامين:
المقام الأول: قراءة ترجمة القرآن في الصلاة.
والمقام الثاني: نقل معاني القرآن ليطلع عليها أهل ذلك اللسان لعلهم يهتدون.
المقام الأول:
نجد في المسائل التي هي موضع خلاف بين الأئمة: القراءة في الصلاة بألفاظ غير عربية يعبر بها عن طائفة من معاني القرآن الكريم.
يروى عن الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه -: أنه كان يرى جواز القراءة في الصلاة باللغة الفارسية، وبنى بعض أصحابه على هذا القول جوازها بالتركية والهندية، وغيرها من الألسنة، وظاهر هذه الرواية: جواز القراءة بالفارسية ونحوها، ولو كان المصلّي قادراً على النطق بالعربية، ومبنى هذا على أن القرآن اسم للمعاني التي تدل عليها الألفاظ العربية، والمعاني لا تختلف باختلاف ما يتعاقب عليها من الألفاظ واللغات.
أما صاحباه الإمامان أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، فجعلا القراءة في الصلاة باللسان الأعجمي من قَبيل ما تدعو إليه الضرورة، فأجازاها للعاجز عن العربية، دون القادر على القراءة بها، وهذا ما تجري به الفتوى