وما زالت هذه العصبيات والاختلافات تنمو وتستفحل حتى نشأت عنها العداوات والإحن بين الأسر، فالمجازر والمذابح بين القبائل، حتى إذا تمكنت الأثرة والأنانية من النفوس، وانتقلت من القبائل إلى الشعوب، جاء الإسلام وهذا المرض الإنساني في مقياس واسع بين الروم والفرس، فكان من أعظم رسالات الله إلى الإنسانية على لسان خاتم النبيين: دعوة الأمم للرجوع بالإنسانية إلى وحدتها الأولى متآلفة بميثاق جديد، وهو ميثاق الحق حيثما كان، والخير كيفما يكون.
* رسالة الإسلام:
جاء الإسلام بهاتين الكلمتين:(الحق)، و (الخير) باسطاً يده إلى أمم الأرض، لا فرق بين أصفر وأحمر، وأبيض وأسود، فكل من دخل منهم في ميثاق الحق والخير، كان أخاً للداخلين فيه، لا فضل في ذلك لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بقدر مبادرته في الاستجابة لهذا الميثاق الإنساني، وتجنبه كل ما يخالفه أو يخل به.
* الإخاء في الإسلام:
وفي ظل هذا الميثاق الإنساني الأعظم كان الإسلام قد عقد الإخاء بين الأوس والخزرج، فكانوا جميعاً أنصار هذا الحق، ودعوة هذا الخير، ثم عقد الإخاء بين الأنصار والمهاجرين بما لم يسبق له نظير في تاريخ الإنسانية لما تتمناه الإنسانية من التواسي والتراحم والتعاون في أسمى معانيها، وإن هذا المثل الإسلامي الأعلى لا يزال مضروباً للناس جميعاً -وفي مقدمتهم المسلمون-؛ ليعودوا إليه، فيعظموا به، وليأخذوا بمبادئه، فيقوموا ويسعدوا.
روى الحسن بن أبى الحسن البصري: أن خطيب قريش سهيلَ بن عمرو،