لتحاكي غيرها في شيء من ذلك، وهذا الاعتزاز بأصول الأمة ومبادئها من مظاهر قوة الأمة، بل هو من وسائل تلك القوة.
أما التفريط في ذلك، والتلون بالألوان الغريبة، فإنه من مظاهر الضعف، ومن وسائله، وهذه الحقيقة الاجتماعية قررها ابن خلدون في مقدمة "تاريخه"، وبرهن عليه، ولا تزال من حقائق الاجتماع إلى الآن، على أنه لو لم يكن هذا من حقائق الاجتماع، فإن الإسلام حتمه على أهله، وألزمهم بالتزامه، وكان أسلافهم أقوياء يوم كانوا ملتزمين به، ولو قيض الله لهذه الأمة علماء من أهل البصائر النيرة، يدرسون ما عندنا من هذه الأصول والمبادئ دراسة علمية بلا تعصب ولا غرض، لتبين لهم أنها هي المبادئ السليمة، والأصول الصحيحة التي تقوى بها الأمة وترقى، وأن التفريط فيها من مدارج الضعف، وأعراض الانحطاط.
ونحن إذا عمدنا إلى التفريط فيها، نكون متناقضين مع أنفسنا فيما نحاوله من أسباب القوة في مرافقنا المادية؛ من زراعية وصناعية، واقتصادية وعسكرية، وغير ذلك؛ إذ لا معنى لذلك إلا الجمع بين أسباب الضعف وأسباب القوة في وقت واحد.
إن هذه القاعدة المزدوجة -وهي الأخذ بكل ما وصلت إليه الأمم من علوم القوة والتقدم العمراني وأسبابهما، مع التمسك بالأصول والمبادئ الخاصة بنا، والموروثة عن أسلافنا- هي التي ينبغي لنا أن نعمل بها في أنفسنا أفراداً، وفي بيوتنا وأسواقنا ومجتمعنا ودولتنا، فالفرد منا يجهز نفسه وبيته بكل ما يحتاجه مما توصل إليه العلم؛ كالأدوات الكهربائية، والتليفون، وأمثال ذلك، وفي الوقت نفسه يتوقى كل ما لا يتفق مع آداب دينه؛ كاختلاط النساء بغير محارمهن.