يعقدها المسلمون مع غيرهم في حالتي السلم والحرب. وأظهر ما تمتاز به هذه العهود إذا صدرت عن المسلمين أن تكون صريحة واضحة لا لبس فيها ولا إبهام، وكثيراً ما يراعى فيها المقابلة بالمثل، صرف النظر عن قوة أحد الطرفين وضعف الطرف الآخر.
* الوفاء بالعهد:
ويرى فقهاء المسلمين: أن المسلم إذا كان أسيراً في يد العدو، وأطلقوه بشرط أن يبعث إليهم مالاً، وإن عجز عن إحضار المال، عاد إليهم، لزمه الوفاء لهم؛ عملً بقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}[النحل: ٩١]، وقول نبيه - صلى الله عليه وسلم -: "المسلمون على شروطهم".
وفي منح الأمان للعدو من المعاني الإنسانية في الشرع الإسلامي ما لا يوجد في أي تشريع آخر قديم أو حديث. ومن المعقول أن يمنح الحاكم الأعلى أماناً للأعداء جميعاً، ومن المعقول أيضاً أن يمنح قائد جيش أماناً للجيش المقابل له، ولكن مما لا يعرف إلا في التشريع الإسلامي أن يصدر عن جندي عادي في جيش إسلامي لجندي من جنود العدو، أو لبضعة جنود، أو لقافلة كاملة، ثم يصبح الجيش الإسلامي كله ملزماً بقبول هذا الأمان، والعمل به. إن هذا لا يعرف في تاريخ الأمم إلا عند المسلمين، وفي تشريعهم، وإلى هذا يشير الحديث النبوي:"ويسعى بذمتهم أدناهم"، وقد أمضى النبي - صلى الله عليه وسلم - تأمين أم هانئ بنت أبي طالب لرجل من الأعداء، وقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ "، وهذا الخبر في "صحيح البخاري".
ومن عجائب التشريع الإسلامي، والمعاني الإنسانية العليا التي يرمي إليها: أن الجيش الإسلامي إذا كان محاصِراً لحصن، أو بلد، وتقدم له من