سنة ١٢٥٥، وأخذ في ترجمة كتب في الفنون العسكرية، وهو أول من وضع نظاماً للتعليم في جامع الزيتونة، وأقام به نحو عشرين خزانة من الكتب القيمة، وهو أول من احتفل بمولد أفضل الخليقة محمد - عليه الصلاة والسلام - في المظهر الذي يقام به في الحاضرة لهذا العهد، فيشهد الملك في اليوم الحادي عشر صلاة العصر، ثم صلاة العشاء في جامع الزيتونة، وهو حافل بقراءة القرآن، ثم يعود في صبيحة اليوم الثاني عشر إلى الجامع نفسه ليحضر تلاوة قصته التي ألفها الأستاذ الشيخ إبراهيم الرياحي.
ومما يذكر في تاريخ هذا الأمير: أنه أصدر أمراً بمنع بيع الرقيق في المملكة التونسية سنة ١٢٦٢، وبعتق كل من كان بها من الأرقاء، وقد رأيت للعلامة الشيخ إبراهيم الرياحي -الذي كان يمثل في كثير من مواقفه أمام أمراء تونس موقف عز الدين بن عبد السلام في مصر والشام- كتاباً يستحسن فيه ما صنعه هذا الأمير من تحرير الأرقاء، ومنع الاتجار بهم، استناداً إلى أن أصل الاستيلاء عليهم لم يكن على وجهه المشروع، ونظراً إلى ما غلب على مالكيهم من سوء معاملتهم، وعدم الاحتفاظ بما تأمر به الشريعة من الرفق بهم، واتخاذهم كإخوان أو أبناء، وهو أول من خاطب الدولة العثمانية في مكاتبيه باللسان العربي، وكانت قبل هذا تحرر باللسان التركي.
وقام بالأمر بعد أحمد باي ابن عمه محمد بن حسين الثاني، ومما يذكر به هذا الأمير: أنه وضع قانوناً أساسياً يكفل لسكان البلاد الحرية والمساواة في الحقوق، ويدعى هذا القانون:"عهد الأمان"، وقرئ هذا القانون في موكب شهده رجال الدولة، وأعيان البلاد، ومعتمدو الدول الأوربية في ٢٠ المحرم سنة ١٢٧٤، وحلف الملك في هذه الحفلة على إنفاذه.