ولم يكد يستوفي سن العشرين حتى تجلت عبقريته، واستدعاه أبو محمد ابن تافراكين المستبد وقتئذ إلى كتابة العلامة عن السلطان أبي إسحاق، وهي "الحمد لله، والشكر لله" تكتب بالقلم الغليظ ما بين البسملة وما بعدها من مخاطبة أو مرسوم، وهذا مبدأ دخول ابن خلدون في حياته السياسية.
* عزمه على الارتحال:
تولى هذا العمل وهو يطوي ضميره على الرحلة من إفريقية؛ لوحشة أثارها في نفسه معظمُ شيوخه، وانطواء مجالس كانت أنهار علومها دافقة، وقطوف آدابها دانية. ويمكنك من هاهنا أن تعرف لابن خلدون وهو في شرخ شبابه مبدأ من مبادئ الفطرة السليمة، والهمة الشامخة، وهو الاستخفاف بالمقام الوجيه لدى الدولة، وإيثار ما فيه كمال نفسي ولذة روحية على مظاهر الأبهة ومواطن الراحة والنعيم.
* رحلته إلى بجاية:
لبث ابن خلدون بعد تقليده رسم العلامة أمداً غير بعيد حتى أمكنته الفرصة من أمنيته، وغادر تونس سنة ٧٥٣ إلى "قفصة"، ثم إلى "بسكرة"، ونزل فيها ضيفاً مكرماً لدى صاحبها يوسف بن مزني.
ثم خرج منها قاصداً السلطان أبا عنان، وهو يومئذ "بتلمسان"، فصرفه عن قصد أبي عنان، وحمله على المسير معه إلى "بجاية"؛ ليغتبط بصحبته، وتزدهي بمثل ابن خلدون أيام دولته.
* ابن خلدون عنه سلطان تونس:
لم يكد ابن خلدون يقضي في كنف صاحب "بجاية" برهة حتى طار صيته، وعبق ذكره في حضره السلطان أبي عنان، وقد جعل هذا السلطان