بعد عوده إلى "فاس" يؤلف من جلة العلماء مجلساً حافلاً، فاستدعاه من "بجاية" سنة ٧٥٥، فأكمل به نظام مجلسه العلمي، واختاره للكتابة والتوقيع بين يديه. قال ابن خلدون:"فتحملت هذا العمل على كره مني؛ إذ كنت لم أعهد مثله لسلفي".
* اتهامه بالمؤامرة على ما يغضب السلطان:
حظي ابن خلدون لدى أبي عنان، وارتقى في دولته مكاناً علياً، فأخذ حَرُّ الحسد يلفح قلوب بعض منافسيه، فأخذوا يبيِّتون له المكايد، وينصبون له شرك السعاية، حتى استطاعوا أن يدخلوا إلى إفساد قلب السلطان عليه من باب السياسة؛ إذ رموه بالدخول في مؤامرة مع الأمير محمد صاحب "بجاية". ولتهمة الائتمار على نقض شيء مما تبنيه يد الدولة سهام لا تكاد تخسأ، إذا لم تصب المقاتل، أوهت العظم، وقلقلت الحشا، وسلبت الأجفان نومتها الهادئة، ويالأحرى حيث لم تكن قضاياها مما يوكل إلى اجتهاد محكمة عادلة، وإنما ينفرد بسماع بلاغها، ويستبد بتقدير عقوبتها أحد الخصمين الذي هو الرئيس الأعلى.
* ابن خلدون في السجن:
انطلت تلك التهمة على فكر أبي عنان، فقبض على ابن خلدون والأمير محمد، وزجَّهما في السجن. وكانت هذه النكبة أول ما لقيه ابن خلدون من بلاء السياسة، وأيقن بها أن إقبال الدولة سرعان ما ينقلب إدباراً، وأنَّ عزاً تبنيه للرجل صباحاً قد يأتي عليه المساء فإذا هو الدرك الأسفل من الهوان.
ثم إن السلطان أطلق سبيل الأمير محمد، وترك ابن خلدون يقاسي شدة