وقع زمام الحكم في قبضة الوزير عمر بن عبد الله، وكانت بينه وبين ابن خلدون قبل توليه أمر الدولة مودة وصحبة، فأقره على ما كان يتولاه من العمل، وزاد في جرايته. وكان ابن خلدون يطمح بطغيان الشباب إلى غاية أسمى مما يتولى من الأعمال، وفي أمله أن عناية صديقه المقتدر لا تتريث في إسعافه ببغيته. ولما لاح له أن الوزير أخلَّ بعهد الصحبة، أخذه الاستياء من تقصيره إلى أن انقطع عن دار السلطان وهجرها إدلالاً بسابق المودة، ولكن منصب الوزارة أنسى عمر بن عبد الله أن من أساليب عتب الأصدقاء وتذكيرهم بحق أغمضوا عنه هجرهم من غير جفاء، وصرف القدم عن زيارتهم لا عن ملل، ولم يشأ منصب الوزارة إلا أن يفهمه أن تقاعد ابن خلدون عن مقر السلطان زلةٌ، جرَّه إليها تعاظمه، وقلة وفائه بما يستحق مقام الرياسة العليا من إكبار وخضوع، فبدلاً من أن يرعى الوزير مقام الصداقة، ويجعله أرفع مكاناً، وأقوى سلطاناً من مقام الرياسة، أخذته نخوة السلطة، وقابل هجر العتاب والإدلال بهجر الجفاء والتقاطع.
ولما رأى ابن خلدون منه التنكر، والإصرار على الإعراض عنه، استأذنه في العود إلى أفريقية، فلم يجز له ذلك، وشدَّد في منعه، حتى دخل عليه يوم عيد الفطر، وخاطبه بقصيدة يقول في طالعها:
هنيئاً لعيد لا عراه قبول ... وبشرى لعيد أنت فيه منيل
فحلت هذه القصيدة عقدة من إبائه، وأذن له في السفر، على شرط أن لا يتخذ سبيله إلى "تلمسان"؛ كراهة أن يتصل بصاحبها أبي حمو، ويشتد به أزر دولته.