احتمل ابن خلدون هذا الشرط، ووليَّ وجهه شطر الأندلس وافداً على السلطان ابن الأحمر بغرناطة. ولما بات بمقربة منها، وافته من وزيرها لسان الدين بن الخطيب رسالة يهنئه فيها بالقدوم، ويعبِّر بها عن شدة ابتهاجه للقياه، ووضع في صدر الرسالة أبياتاً -على سنة من يجيد صناعتي الشعر والنثر-، وهي:
على الطائر الميمون والرحب والسهل ... حللت حلولَ الغيثِ في البلد المحْلِ
يميناً بمن تعنو الوجوه لوجهه ... من الشيخ والطفل المعصب والكهل
لقد نشأت عندي للقياك غبطةٌ ... تُنَسي اغتباطي بالشبيبة والأهلِ
* إرساله سفيراً إلى ملك الإسبان:
نزل ابن خلدون من السلطان ابن الأحمر منزلة الاحتفاء والإنعام، وندبه للسفارة بينه وبين ملك الإسبان، فعرف الملك قيمته، وأعجب بكماله ومقدرته، حتى دعاه إلى الإقامة معه بدار ملكه "إشبيلية"، ملتزماً له بأن يرد عليه ما كان لسلفه من أملاك، فرفض ابن خلدون هذه الدعوة، ولم يكن ممن يشغفه المال حبًا، فيؤثره على المقام بين أمته التي يشرف بشرفها، وينحط شأنه بانحطاط سمعتها.
* تنكر وزير الأندلس له:
حاز ابن خلدون لدى ابن الأحمر رعاية ضافية، فجأش الحسد في نفوس بعض معاديه، وطفقوا يُسرون لابن الخطيب ما يزلزل الصداقة بينه وبين ابن خلدون، حتى اغبرَّ صدره، وبدا عليه انقباض أحسَّ به ابن خلدون، فجعل وجه البلاد في عينيه قاتماً، ولم يسعه بعد تنكر ابن الخطيب -وهو