القابض على مقاليد الدولة- إلا أن يعتزم على الرحلة، واتفق أن وافته كتب من أبي عبد الله صاحب "بجاية" يستدعيه للقدوم عليه، فاتخذها ذريعة لاستئذان السلطان في الانصراف إلى أفريقية دون أن يطلعه على ما كان بينه وبين ابن الخطيب، فامتعض في مبدأ الأمر ضَناً بفراقه، ثم ادكر أن للحنين إلى الوطن حكماً لا يغالب، فأذن له بالظعن، وأصدر في تشييعه مرسوماً من إملاء ابن الخطيب، يشهد له فيه برفعة القدر، واستقامة السيرة، والتحقيق في العلم، ويوصي قواد الدولة وأعوانها برعايته وإسعافه في كل حال.
* سفره الثاني إلى بجاية:
سافر إلى "بجاية" سنة ٧٦٦، وأقيمت له يوم مقدمه حفله مشهودة، فأركب السلطان خاصته لاستقباله، وهرع إليه أهل البلد بنفوس متعطشة إلى لقائه، وانهالوا يمسحون أعطافه، ويلثمون يده. فاجتمع له في هذا الاحتفال إقبال الدولة، وانعطاف الأمة، وهما لا يجتمعان لشخص بانتظام إلا حيث تكون الدولة رشيدة، وإذا كانت الدولة قد تقبل على غير عظيم، فإن الأمة لا تخلع عطفها وإجلالها إلا على من تقدر عظمته، وتثق بإخلاصه.
* ولايته الحجابة لسلطان "بجاية":
تقلد ليوم خلا من قدومه منصب الحجابة، وهي لدى دول المغرب: الاستقلال بإدارة شؤون الملك، والانفراد بالوساطة بين السلطان وبين أهل دولته. بيد أنه استلم زمام السياسة بعد أن نشأت بين السلطان أبي عبد الله وابن عمه أبي العباس صاحب "قسنطينة" فتنة نفدت التدابير دون إطفائها، وما برحت تتأجج إلى أن كانت عاقبتها قتل أبي عبد الله، واستيلاء أبي العباس على "بجاية".