الخطيرين لم تكن مضمار علم وأدب فقط، بل كانت ممتعة بالنظر في الشؤون السياسية الداخلية والخارجية، فقد أتى ابن الخطيب في بعض هذه الرسائل على تفاصيل من أحوال الدولة بغرناطة، وألم فيها بأنباء عن دولة الإسبان في إشبيلية. وكذلك تجد ابن خلدون تعرض في الجواب عن تلك الكتب لحوادث دول شتى: فنسق فيها قسطاً من الحديث عن شؤون دول: تونس، والجزائر، والمغرب الأقصى، والحجاز، ومصر.
ولو أن علماء الإِسلام أخذوا في هذا السبيل أينما كانوا، ومدوا جانباً من عنايتهم إلى الاطلاع على تصاريف الدول ومجاري سياستها، لبلغوا منتهى السؤدد، وبرئوا من تبعة وقوع الشعوب الإِسلامية في هذا البلاء المبين.
* مساعيه السياسية وهو في بسكرة:
أقام ابن خلدون في "بسكرة" مقبلاً على دراسة العلم، ولم ينكث يده مع ذلك من التدخل في شؤون الدولة، فكان يشايع أبا حمو صاحب "تلمسان" حين نهض يجلب بخيله ورجله على "بجاية"، فكان وسيلة إلى توثيق عرا الصلة بينه وبين السلطان أبي إسحاق صاحب "تونس". وحمل بعض القبائل على مناصرته حتى سار إليه بطائفة من قبيل "الذواودة"، والتقى به في البطحاء، ثم قفل معه راجعاً إلى تلمسان، إذ بلغ أبا حمو أن السلطان عبد العزيز صاحب "المغرب الأقصى" يتحفز للوثوب على "تلمسان". ولما اقتربت ساعة استيلائه عليها، وأخذ أبو حمو في أهبة الانجلاء عنها إلى الصحراء، اعتزم ابن خلدون على الارتحال إلى الأندلس، وحمله أبو حمو رسالة إلى ابن الأحمر صاحب "غرناطة"، فاتصل نبأ سفره بالسلطان عبد العزيز، ونمى إليه أنه يحمل وديعة إلى ابن الأحمر، فأنفذ إليه سرية اعترضت سبيله، فلم تلق عنده ما يحقق هذه