وما هذا الوزير بأول من ازدهت به الرياسة، وتطوحت به في غرور حتى عمي عليه أن لأعاظم الرجال كابن خلدون تاريخاً باقياً، وصحائف لا تغادر صغيرة ولا كبيرة من مجاملة أهل عصره له، أو إساءتهم إلا أحصتها.
* عودته إلى الأندلس سنة ٧٧٦:
قبض عليه السلطان ابن أبي سالم، وسرعان ما نهض إلى خلاصه الأمير عبد الرحمن الذي شارك السلطان في حرب الوزير أبي غازي، واتفق معه على أن يستقل بولاية "مراكش" وأعمالها، ولم يطمئن به المقام بعد أن رأى من تنكر السلطان وسوء طوية وزيره ما رأى، فابتغى الوسيلة إلى إذن السلطان له الانصراف إلى الأندلس؛ ليتفرغ للعلم ومدارسته في ظل دولة ابن الأحمر الذي أولاه في رحلته الأولى سابغ الكرامة والإنعام، ولم يظفر بالجواز إلا بعد تسويف، وعلى رغم من وزيره ورجال دولته.
دخل الأندلس سنة ٧٧٦، فجرى السلطان على عادته من بسط يد الإكرام، وإنزاله منزلة الاحتفاء والرعاية إلى أن وفد على "غرناطة" مسعود ابن ماسي من حاضرة "فاس"، وأبلغ السلطان بإغراء من رجال دولتها أن ابن خلدون كان يبذل مساعيه وجاهه في خلاص لسان الدين بن الخطيب (١)،
(١) كان لسان الدين بن الخطيب -بفضل ما له من التبحر في العلم والأدب، والخبرة بمذاهب السياسة- قبض على زمام دولة ابن الأحمر، وانفرد بالتصرف في شؤونها، فشجيت به بطانة السلطان وحاشيته، وانسابوا إلى السعاية به من كل حدب، حتى أحس بأنها أخذت من السلطان مأخذ القبول، فاحتال للتخلص من الأندلس، والتجأ إلى السلطان عبد العزيز صاحب المغرب الأقصى، وبقي في ظل رعايته، ثم في حماية الوزير أبي بكر بن غازي من بعده. ولما استولى أحمد بن أبي سالم =