فاجأه صديق له -كان أحد بطانة أولئك السعاة- بما يكيدونه به تحت ستار، وكان قد اعتزم على أن يقدم للسلطان نسخة مما أكمل من "تاريخه"، فانتهز الفرصة، وأنشده ساعة إهدائه الكتاب قصيدة أمتعها بذكر سيره وفتوحاته، ونسج في ذيلها الاعتذار عن انتحال الشعر بأسلوب بليغ. ويقول في هذا الاعتذار:
وإليكها مني على خجل بها ... عذراء قد حليت بكل نفيسِ
لولا عنايتك التي أوليتني ... ما كنت أعني بعدها بطروسِ
والله ما أبقت ممارسة النوى ... مني سوى رسم أمرِّ دريس
أضنى الزمان عليَّ في الأدب الذي ... دارسته بمجامع ودروس
فسطا على فرعي وروَّع مأمني ... واجتث من روح النشاط غروسي
ورضاك رحمتي التي أعتدُّها ... تُحيي مُنى نفسي وتُذهب بوسي
* ابن خلدون في مصر:
وما برحوا يركبون في السعاية به كل فن، حتى شاهد أثرها في معاملة السلطان له، فرام التخلص من مثار هذه الفتنة، وابتغى الوسيلة إلى ذلك باستئذان السطان في السفر لأداء فريضة الحج، وقدم الاسكندرية لمضيِّ عشر ليال من جلوس الملك الظاهر على عرش الملك، ثم انتقل إلى القاهرة، وتصدى للتدريس بالجامع الأزهر، واتصل بالسلطان، فأكرم مثواه، وأعاد ليل غربته ووحشته صباح أنس وطمأنينة، وأولاه وظيفة التدريس بمدرسة القمحة، ثم قلده خطة قضاء المالكية على وفق النظام المتبع لذلك العهد من إقامة قضاة على عدد المذاهب الأربعة، يلقب كل واحد منهم بقاضي