براها الهوى بري القداح وحطها ... حزون على صفح من القفر ممتدِّ
عجبت لها أنّي تجاذبني الهوى ... وما شوقها شوقي ولا وجدُها وجدي
لئن شاقها بين العذيب وبارقٍ ... مياه بفيء الظل للبان والرند
فما شاقني إلا بدور خدودها ... وقد لِحْن يوم النفر في قُضُب مُلْدِ
وكم صارمٍ قد سل من لحظ أحورٍ .. وكم ذابلٍ قد هز في ناعم القدّ
خذوا الحذر من سكان رامة إنها ... ضعيفات كسر اللحظ تفتك بالأُسد
واسترسل في هذا الطرز البديع والنسيب الساحر حتى تخلص إلى خطاب ابن خلدون بقوله:
إليك -أبا زيد- شكاة رفعتها ... وما أنت من عمرو لديَّ ولا زيدِ
بعيشك خبرني ولا زلت مفضلاً ... أعندك من شوق كمثل الذي عندي
فكم ثار بي شوق إليك مبرِّح ... فظلت يد الأشواق تقدح في زندي
يقابلني منك الصباح بوجنة ... حكى شفقاً فيه الحياء الذي تبدي
وتوهمني الشمس المنيرة غرة ... بوجهك وإن الله وجهك عن ردِّ
محياك أجلى في العيون من الضحى ... وذكرك أحلى في الشفاه من الشهد
واطرد في هذا النسق المعبر عن الوداد المحض، والشوق الطافح، وبلوغ الشعر في جودته إلى هذا الحد مما ينبه على رفعة منزلة ابن خلدون في نفس الوزير ابن زمرك؛ إذ الشاعر وإن كان مغلقاً لا يطيل نفس الشعر ويرتقي في إبداعه إلى هذا المظهر إلا عن داعية تزعج قريحته، وتأخذ بمجامع عنايته. وليست الداعية في هذا المقام سوى الإعجاب بكمال ابن خلدون، والحنين إلى حدائق آدابه الزاهرة.