وذكر في شواهد هذا: أن القضاة دخلوا للسلام عليه حين تولى منصب القضاء، فلم يقم لأحد منهم، واعتذر لمن عاتبه على ذلك. ومن تقصى أخبار النوابغ من أهل العلم والأدب، وجد أكثرهم يتطوح في الاحتفاظ بالمظهر اللائق بعظمته إلى الحال الذي يعده علم الأخلاق في قبيل الكبر والخيلاء.
وقذفه ابن حجر بخلق الفظاظة، وجفاء الطبع أيام كان قاضياً، وحكى عنه: أنه كان يعزر الخصوم بالصفع -ويسميه: الزج-، فإذا غضب على إنسان، قال: زُجُّوه،. فيصفع حتى تحمرَّ رقبته.
وتجاوز ابن حجر في التشنيع عليه، حتى رماه بارتكاب ما لا يحل لنا الأدب الجميل إيراده في هذه المحاضرة، فإلى الله إيابهُما، وعليه حسابهما. ومن قرأ ما كتبه ابن حجر في ترجمة ابن خلدون، وجدها منسوجة على قصد الحط من شأنه، وكتم شيء من فضله، فلا يبعد أن يدخل في عبارته غلو، أو يتساهل في النقل عمن كان بينه وبين المترجَم له منافسة وتحاسد.
* مكانته في العلم:
أنبتت المعاهد العلمية الإِسلامية من فحول العلماء رجالاً لا تحيط بهم أقلام الحاسبين، ولكن الرجال الذين يتسنمون في العلم الذروة القصوى، وتنفجر قرائحهم بمدارك فائقة، فيخرجوها للناس في أسلوبها الحكيم، ليسوا بكثير، ومن هذه الطائفة العزيزة المثال: أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون.
كان بعيد الشأو في العلوم الشرعية والعربية، خبيراً بالعلوم النظرية، ضليعاً في الفنون الأدبية، ويشهد له بالرسوخ في العلم: الكتب التي درسها؛ مثل:"تهذيب البرادعي" في الفقه، و"مختصري ابن الحاجب الأصلي والفرعي"،