للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفهوم، توقف على عنه الأشياء، وتعرف حقيقة الحوادث والأنباء، وتعبر عن حال الوجود، وتنبح على أصل كل موجود، بلفظ أبهى من الدر النظيم، وألطف من الماء مر به النسيم.

ورام الشيخ ابن حجر أن يبخس كل أثر له، حتى هذه المقدمة، فقال في كتاب "رفع الإصر" بعد حكايته كلام المقريزي: وما وصفه به فيما يتعلق بالبلاغة والتلاعب بالكلام على الطريقة الجاحظية، فمسلم، وأما ما أطراه به زيادة على ذلك، فليس الأمر كما قال، إلا في بعض دون بعض، إلا أن البلاغة تزين بزخرفها حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن.

وقد نقلت هذه المقدمة إلى لغات أخرى: تركية، وإيطالية، وفرنسية، فكانت أحد الآثار العربية التي شهد بها الغربيون كيف يرتقي الفكر الناشئ في معاهد العلوم الإِسلامية حتى يتسنى له أن يبحث في نظم الاجتماع، وطرق الإصلاح، على وجه بديع، وأسلوب حكيم. ومتى صح أن النابغة لا يبدع في فن من فنون النظر، ويطيل فيه النفس إلى الأمد الأقصى إلا أن يتقدمه سلف يكون كواضع الأساس، أو يحظى بصحبة من ينسج في البحث والمحاورة على منوال ذلك الفن؛ فإنا لم نر من الرجال الذين لقيهم ابن خلدون من يصح أن يكون مساعداً له على هذا المسلك الفلسفي الاجتماعي غير لسان الدين بن الخطيب، ولهذا كان ابن خلدون ينوه بشأنه، ويشيد بذكره أينما حل.

قال الشيخ إبراهيم الباعوني الشامي -فيما رآه صاحب "نفح الطيب" بخطه-: وكان -يعني: ابن خلدون- يكثر من ذكر لسان الدين بن الخطيب، ويورد من نظمه ونثره ما يشنف به الأسماع، وينعقد على استحسانه الإجماع،