يعد ابن خلدون في قبيل الشعراء المجيدين، ولكن انكبابه على مدارسة العلوم، وقلة غدو قريحته ورواحها على النظم، عاقه عن أن يبلغ في إتقان نسجه والإبداع في فنون التخيل مبلغ المشهود لهم بالتفوق في هذه الصناعة.
وقد اعترف هو نفسه بما يجده من استصعاب الشعر عليه، وبعدِ مأخذه منه عندما يحاول نظمه، قال في "مقدمة تاريخه": ذاكرت يوماً صاحبنا أبا عبد الله بن الخطيب وزير الملوك بالأندلس من بني الأحمر -وكان الصدر المقدم في الشعر والكتابة-، فقلت له: أجد استصعاباً علي في نظم الشعر متى رمته، مع بصري به، وحفظي للجيد من الكلام؛ من القرآن، والحديث، وفنون من كلام العرب، وإن كان محفوظي قليلاً، وإنما أتيت -والله أعلم - من قبل ما حصل في حفظي من الأشعار العلمية، والقوانين التأليفية، وعدَّدَ جملة من محفوظاته، ثم قال: وامتلأ حفظي من ذلك، وخدش وجه الملكة التي استعددت لها بالمحفوظ الجيد من القرآن والحديث وكلام العرب، فعاق القريحة عن بلوغها. فنظر إلى ساعة معجباً، ثم قال: لله أنت! وهل يقول هذا إلا مثلك!
ولصفاء فطرته، وسلامة ذوقه، قد يدرك شعره مع تلك العلة التي أومأ إليها غاية بعيدة في الإجادة. ومن مُثُله الرائقة: قصيدته التي أنشدها سلطان المغرب ليلة الميلاد النبوي عام ٧٦٣، وافتتحها بقوله:
أسرفن في هجري وفي تعذيبي ... وأطلن موقف عَبرتي ونحيبي
وأبين يوم البين ساعة وقفة ... لوداع مشغوف الفؤاد كئيبِ