وإضافته إلى وسائل حضارتهم، وما كان من الأوضاع المنكرة، أو أنه كان ناشئاً عن عادة ولدتها البيئة الخاصة، ضربوا عنه صفحاً، وأنذروا الشرق عاقبة الاقتداء به.
وفحصُ أحوال تلك الأمم، وتمييزُ طيبها من خبيثها يحتاج إلى نظر حكيم، وذوق سليم، فقد يجد الناظر ما قد يكون نافعاً في أوطانهم، ولكن عمله في بلادنا اليوم ضرر محض. ومن أمثلة هذا: إضراب التلاميذ عن الدروس احتجاجاً على قضية سياسية، فهذا النوع من الإضراب قد يلتجئ إليه تلاميذ دولة مستقلة حريصة على ترقيتهم في العلوم والفنون، فيكون نافعاً لهم، وذريعة لنجاح مطلبهم، ولكن الدولة الأجنبية لا يسوءها أن ينقطع أبناؤنا عن التعلم ليالي وأيامًا، بل يرتاح ضميرها إلى أن تغلق المدارس أحقاباً؛ حتى يتسنى لها أن تسوقهم كالأنعام إلى حيث تشاء.
* الأمة المغلوبة يسرع إليها الفناء:
يقول ابن خلدون:"إن الأمة إذا غُلبت، وصارت في ملك غيرها، أسرع إليها الفناء". وجعل العلة في هذا ما يحصل في النفوس من التكاسل إذا ملك أمرها عليها، وصارت بالاستعباد آلة لسواها، فيقصر الأمل، ويضعف التناسل، والاعتماد إنما هو عن جدة الأمل، وما يحدث عنه من النشاط في القوة الحيوانية.
وهذه النظرية حادثة، وعلتها معقولة، فيتحتم على زعماء الشعوب المغلوبة للأجنبي أن يعالجوا هذا الداء القاتل للأمم الجاهلة بما يبثونه فيها من أمل الخلاص، ويضربوا لها الأمثال بالأمم التي تخلصت من سلطة الغريب؛ مثل: اليونان، وبلغاريا، ورومانيا، وأمريكا، ويعلموها أن وسيلة النجاة منافسة