على منصور الطبري يوم ثار على زيادة الله، واستولى على القيروان، وهما قاضيان، فقال لهما ذلك الثائر في كلام دار بينهما:"اخرجا عني، أما تعلمان أن هذا البائس -يعني: زيادة الله- ظلم المسلمين؟ ". أما أبو محرز، فخالطه رعب، وقال له: وظلم اليهودَ والنصارى. وأما أسد، فإنه ملك جأشه، وآثر أن يقول كلمة حق على أن يسكت أمام صولة باطل، فقال له: كنتم أعواناً له قبل هذا الوقت، وأنتم وهو على مثل هذا الحال، ولما وسعنا الوقوف عنه وعنكم، فكذلك يسعنا الوقوف عنه وحده. ولما دافع أسد بهذه الكلمة، صال عليه بعض الجند القائمين على رأس الثائر، ثم انصرف القاضيان وهما يتوقعان بطشة الثائر الغشوم، ولكن الله صرف قلبه عنهما، فلم يمسهما بأذى.
* فتحه صقلية (١):
صقلية: جزيرة في البحر المتوسط، لا يفصلها عن أوربا الإيطالية إلا مضيق مسينا، وهي التي تسمى:"سيسيليا".
أما سبب فتحها، فهو أنه كان بين زيادة الله وصاحب صقلية عقد هدنة، ومما احتواه هذا العقد: أن من وقع إلى صقلية من المسلمين، ورغب أن يرد إلى بلاد الإِسلام، كان عليهم أن يردوه إليها، ثم إن صاحب صقلية قصد إلى الإيقاع بزعيم يقال له:(فيمه)، فتخلص هذا الزعيم وأتباعه من صقلية، وهبطوا القيروان يستنجدون بصاحب الدولة زيادة الله بن الأغلب،
(١) ضبطها صاحب "القاموس" بكسر الصاد والقاف، وضبطها ابن خلكان بفتحهما، وكذلك يقول ابن هشام اللخمي في "لحن العامة": ويقولون: سقلية -بسين مكسورة- والصواب: صقلية- بصاد وقاف مفتوحتين.