ورفعوا إليه أن في أيدي الروم أسارى من المسلمين، لم يمكنوهم من العود إلى أوطانهم، فجمع زيادة الله وجوه الناس، وأحضر أسد بن الفرات، وأبا محرز، وسألهما الرأي فيما يصنع، فأما أبو محرز، فقال: نتأنى في هذا الأمر حتى نكون فيه على بينة، وأما أسد بن الفرات، فقال: نتبين الأمر من رسلهم، فإن شهدوا بأن هناك أسرى، أصبح عقد الهدنة بيننا وبينهم منقوضاً، فقال له ابن محرز: كيف نعتمد على قول الرسل في مثل هذا؟ فقال أسد: بالرسل هادناهم، وبالرسل نجعلهم ناقضين، فارتاح زيادة الله لقول أسد، وسأل الرسل، وكان بين الرسل رجل مسلم، فشهدوا بأن لدى الروم مسلمين محبوسين عن العود إلى أوطانهم.
أمر زيادة الله يومئذ بالخروج إلى صقلية، فعرض أسد نفسه ليخرج في الجيوش المحاربة، فتباطأ زيادة الله عن إجابته، وامتعض أسد من تباطئه حتى قال: قد أصابوا من يجري لهم مراكبهم من النوتية، وما أحوجهم إلى من يجريها لهم بالكتاب والسنة، ولما وثق زيادة الله من صدق عزيمته، أذن له بالخروج على أن يكون أمير الجيش في هذه الغزوة، فكره أسد الإمارة؛ ظناً منه أنه سيتقلدها بدل القضاء، وقال لزيادة الله عندما عزم عليه في ولايتها: أصلح الله الأمير، من بعد القضاء والنظر في حلال الله وحرامه، يعزلني ويوليني الإمارة! فقال له زيادة الله: إني لم أعزلك عن القضاء، بل وليتك الإمارة، وأبقيت لك اسم القضاء، فأنت قاض أمير، فرضي أسد عند ذلك بالإمارة. ويقول المؤرخون: لم تجتمع الإمارة والقضاء لأحد ببلد أفريقية إلا لأسد وحده. وأما في غير أفريقية، فقد اجتمع القضاء وإمارة الجيوش لبعض علماء بغداد والأندلس. قال ابن خلدون: "وربما كانوا يجعلون للقاضي قيادة الجهاد