سورة القارعة، فلما بلغ إلى قوله تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ}[القارعة: ١٠] أخذته عبرة شديدة. وسمعته يجهر بالتأمين بعد الفاتحة في الصلاة، فعجبت من مخالفته للرواية المشهورة، وهي عدم تأمين الإمام في الجهر، وبلغني أنه خوطب في ذلك، فأجاب بأنه يختار رواية المدنيين؛ لترجحها بالحديث الصحيح. يريد بذلك قوله - عليه الصلاة والسلام -: "إذا أمّن الإمام، فأمنوا"، وهو ظاهر في تأمين الإمام في الصلاة الجهرية، والمتمسكون برواية البصريين المشهورة يؤولون "أمن" على: بلغ موضع التأمين؛ كأنجد: إذا بلغ نجداً؛ بدليل حديث:"إذا قال الإمام: ولا الضالين، فقولوا: آمين"، ولعل الشيخ ممن يستبعد ذلك التأويل، ولا يرى الحديث الأخير ظاهر الدلالة على عدم تأمين الإمام.
وعرجنا في إيابنا على محل السيد أحمد بن مراد المعد لبيع الكتب، فالتقينا بالشيخ محمد بوشنب أحد المدرسين بالمدرسة الثعالبية، فأخذنا معه أطراف محاورة أطلعتنا على ماله من النباهة التامة، والتفقه في الأمور الحديثة، زيادة عما له من التفنن. ثم انصرفنا، وصحبنا أحد الفضلاء فذكر لفظ "مجلة"، فاستنبأنا عن معناه لغة، فسقنا إليه عبارة "القاموس": مجلة - بالفتح-: الصحيفة فيها الحكمة، أو كل كتاب.
وفي اليوم الثاني من أيام إقامتنا، دعانا الشيخ عبد الحليم بن سماية إلى زورة محله في الساعة الخامسة مساءً، وكان منزله في أقصى المدينة وأعلاها، فصعدنا إليه على السيارة الكهربائية، سارت بنا في خطها الحديدي نحو ٢٠ دقيقة، ووقفت أمام ضريح الولي الكامل الشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن الأزهري المتوفي سنة ١٢٠٨ هـ، فنزلنا هناك، ووجدنا الشيخ