وانجر بنا البحث إلى مسألة تقديم الكفارة على الحنث، وذكر الخلاف في إجزائها، فقلنا: ذهب أبو حنيفة إلى أن سبب الكفارة هو الحنث، وعليه فلا يجزي التكفير قبله، ورأى أن الكفارة بدل عن البر، فلزم أن يكون موضعها عدم المبدل منه، وذهب مالك إلى أن سبب الكفارة هو اليمين، والدليل عليه قوله تعالى:{ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}[المائدة: ٨٩].
فإن المعاني إنما تضاف إلى أسبابها، وعليه، فيجزي التكفير، ولا يلزم عليه تقدم الحكم على شرطه؛ لأن الحنث إنما هو شرط في انحتام الكفارة من غير تخيير، لا شرط في أصل وجوبها، وحدثنا الشيخ مصطفى المذكور: أنه كان قرر درساً بمحضر بعض الإفرنج، وقال في خلاله: إن العرب هم سكان الحاضرة وإن كانوا أعاجم، والأعراب هم سكان البادية، وإن لم يكونوا من العرب، فعارضه بعض الحاضرين بأن المتعارف: أن العرب اسم الجيل المخصوص، سواء سكنوا البادية، أو الحاضرة، والأعراب اسم لمن يسكن البادية من ذلك الجيل، فطالعنا وقتئذ بعض كتب في اللغة، فعثرنا فيها على شبهة فيما قرره الشيخ في "المصباح": وأما الأعراب -بالفتح-، فأهل البدو من العرب، الواحد أعرابي، وزاد الأزهري فقال: سواء كان من العرب، أو من مواليهم، قال: فمن نزل البادية، وجاور البادين وظعن بظعنهم، فهم أعراب، ومن نزل بلاد الريف، واستوطن المدن والقرى العربية وغيرها ممن ينتمي إلى العرب، فهم عرب، وإن لم يكونوا فصحاء، وذكر حديث:"أحب العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي".
فقال الشيخ مصطفى: هذا الحديث تكلم فيه. بيان ما أشار إليه: أن