للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جعلها مفعولاً به، أو فاعلاً.

ثم قلنا: ويندرج في التفقه في الدين: تعلم ما يرجع إليه من أحكام وعقائد وأخلاق، وأما إطلاق الفقه على معرفة الفروع خاصة، فعرْفٌ حادث بعد نزول القرآن، فلا يصح تفسير الآية به؛ فإن القرآن أنزل بلسان عربي؛ ليتمكن العرب من فهمه، فينتفعوا بالعلم به في أنفسمهم، ويبلغوه إلى غيرهم من الأمم لعلهم يتذكرون، وهذه الحكمة تستدعي أن يكون الكتاب جارياً في سائر استعمالاته على المعاني المألوفة لهم في موضوعات لسانهم، وأساليب كلامهم، وإذا ألقى إليهم قولاً مجملاً، أو كلمة لم يسبق لهم علم بمدلولها، لم يتمادوا على الجهل بها، وتعلموا بيانها عن رسوله - صلى الله عليه وسلم -. فإذا لم تكن الكلمة معهودة الاستعمال في معنى وقت الوحي، ولم يعينه صاحب الشريعة في بيانها امتنع حملها عليه، وبهذا يظهر عدم صحة ما قاله بعض البيانيين في قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ} [الأنبياء: ٢٢] إلخ الآية، من أن استعمال "لو" في الاستدلال بامتناع الفساد على امتناع تعدد الآلهة وارد على قاعدة أهل المعقول، والصحيح ما قاله الشيخ ابن الحاجب من أنه استعمال عربي فصيح، كما لا يستقيم قول بعض الكاتبين على قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: ٦٩]: إن المراد: الشعر الذي هو أحد أقسام القياس، وقد أنكر الشيخ ابن تيمية على من فهم التأويل في قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} [آل عمران: ٧] على معنى صرف اللفظ عن المعنى الراجح لدليل يقترن به؛ لأنه معنى اصطلح عليه طوائف من المتأخرين، ولم يكن معروفاً للسلف بهذا الوضع، بل مسمّى التأويل في لغة القرآن هو نفس المراد بالكلام من الأمور الموجودة في الخارج.